الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
وهي سنة أربع وستين وثمانمائة. فيها توفي الشيخ الإمام المحقق الفقيه العلامة جمال الدين محمد بن أحمد المحلي الشافعي المصري بالقاهرة في يوم الأحد مستهل المحرم وسنة نحو السبعين تخمينًا. وكان إمامًا علامة متبحرًا في العلوم. كان بارعًا في الفقه والأصلين والعربية وعلمي المعاني والبيان وأفتى ودرس عدة سنين وانتفعت الطلبة به وله عدة مصنفات ولم يكمل بعضها ورشح لقضاء الديار المصرية غير مرة. وكان في طباعه حدة مع عدم التكلف في ملبسه ومركبه إلى الغاية بحيث إنه كان إذا رآه من لا يعرفه يظنه من جملة العوام رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين قيز طوغان العلائي الأستادار ثم نائب ملطية ثم أتابك حلب ثم أحد أمراء دمشق بطالًا بدمشق بالطادون وقد شاخ في العشر إلاوسط من محرم. وكان من عتقاء الأمير علان شلق الظاهري وخدم بعده عند الملوك إلى أن اتصل بخدمة السلطان وصار في دولة المؤيد شيخ رأس نوبة الجمدارية دهرًا طويلًا إلى أن تأمر عشرة في دولة الملك الظاهر جقمق وصار أمير آخور ثالثًا. ثم ولي الأستادارية بعد عزل الناصري محمد بن أبي الفرج فباشر أشهرًا ثم عزل وأخرج إلى البلاد الشامية وتنقل فيها إلي ما أشرنا إليه. ثم حج وسافر أمير حاج المحمل الشامي فوقع منه بالمدينة الشريفة ما أوغر خاطر السلطان عليه وأمسك بعد عوده وحبس مدة بقلعة دمشق أو غيرها ثم أطلق ودام بطالًا إلى أن مات. وكان أميرًا جليلًا عارفًا شجاعًا مقدامًا وفيه حشمة وأدب ومكارم رحمه الله تعالى. وتوفي الشيخ المقرىء إمام جامع إلازهر في يوم الأحد خامس عشر المحرم وكان دينًا خيرًا من بيت قراءة وفضل ودين رحمه الله تعالى. وتوفي زين الدين أبو الخير محمد ابن المعلم شمس الدين محمد ابن المعلم أحمد المعروف بالنحاس شهرة وصناعة ومكسبًا في يوم الجمعة العشرين من المحرم ودفن من يومه بالصحراء. وقد تقدم من ذكره في أصل هذا الكتاب ما يغني عن التعريف به في هذا المحل ثانيًا وسقنا أمره محررًا من ابتداء أمره إلى آخره باليوم والشهر من تاريخنا المنهل الصافي ثم في مصنفنا أيضًا حوادث الدهور وذكرنا كيفيته وكيف كان تقربه إلى الملك الظاهر جقمق وعرفنا بحاله و تكسبه في دكان النحاسين ثم ما وقع له مع أبي العباس الوفائي ثم ترقيه وتوليه الوظائف السنية شيئًا بعد شيء ثم انحطاط قدره ونكبته ومصادرته وضربه و نفيه بعد حبسه بحبس الرحبة مدة طويلة والآخراق به من العوام والمماليك السلطانية ثم خروجه من الديار المصرية على أقبح وجه بعد أن أدعي عليه عند القاضي المالكي بالكفر وأشيع ضرب رقبته ووضع الجنزير في رقبته ثم ما وقع له من الآخراق بمدينة طرسوس في مدة طويلة ثم حضوره إلى الديار المصرية بغير إذن الملك الظاهر جقمق خفية ثم طلوعه إلى السلطان وضرب السلطان له ثانيًا بالحوش في الملأ العام ذلك الضرب المبرح ثم إخراجه ثانيًا من القاهرة على أقبح وجه منفيًا إلى طرابلس ثم إقامته بطرابلس إلى أن مات الصاحب جمال الدين يوسف بن كاتب جكم ثم طلبه الحضور إلى الديار المصرية غير مرة إلى أن حضر. وظن المخمول أن الذي مضى سيعود وقدم عدة كبيرة من الخيول وولي الذخيرة ووظائف أخرى فلم يتحرك له سعد ولا نتج أمره بل صار كلما قام أقعده الدهر وكلما أراد القوة ضعف. وزاد به القهر إلى أن مرض وأشتد مرضه وترادفت رسل السلطان إليه بطلب المال فعظم ما به من المرض من الخالق ومن المخلوق إلى أن مات واستراح وأراح بعد أن قاسى أهوإلا في مرضه وحمل على فقص حمال على رأس رجل للمحاسبة لما ثقل في الضعف وقد حثه الطلب كل ذلك تأديبًا من الله عز وجل لتعلم أن الله على كل شيء قدير. وكانت صفته رجلًا طوإلا أسمر جسيمًا عاميًا: كانت صفته مشبهة لصناعته وأهلها في الكثافة إلا أنه كان يكتب المنسوب بحسب الحال ليس فيه بالماهر ويحفظ القرآن على طريق قراء إلاجواق من مواظبته لليالي جمع الإمام الليث لا يحفظه على طريق القراء. وبالجملة فإن ابتداء ترقية كان عجيبًا وانحطاطه كان أعجب رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين علان بن عبد الله المؤيدي أتابك دمشق المعروف بعلان جلق بدمشق في يوم الأربعاء تاسع صفر وقد زاد سنه على السبعين تخمينًا. وكان أصله من مماليك الملك المؤيد شيخ وصار في أيامه من جمله الأمير آخورية الأجناد ثم صار بعد موت أستاذه من جملة أمراء دمشق ثم بعد مدة نقل إلى نيابة البيرة ثم إلى حجوبية حلب الكبرى ثم عزل من حلب بسبب شكوى نائبها قاني باي الحمزاوي عليه توجه إلى طرابلس بطالًا ثم أنعم عليه بإمرة مائة وتقدمة ألف بدمشق بعد انتقال الأمير خشقدم الناصري المؤيدي عنها إلى حجوبية الحجاب بالديار المصرية ثم نقل إلى أتابكية دمشق بعد موت يشبك الصوفي المؤيدي في سنة ثلاث وستين فلم تطل مدته ومات. وكان مشهورًا بالشجاعة وإلاقدام رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين طوغان من سقلسيز التركماني أمير التركمان في شهر ربيع الأول واستقر ولده في إمرة التركمان من بعده. وتوفي القاضي سعد الدين إبراهيم بن فخر الدين عبد الغني بن علم الدين شاكر بن رشيد الدين خطير الدمياطي المصري القبطي المعروف بابن الجيعان ناظر الخزانة الشريفة في ليلة الجمعة ثالث عشرين شهر ربيع الأول وسنه نيف عن خمسين سنة. وكان حشمًا وقورًا وجيهًا عند الملوك وهو باني الجامع على بحر بولاق بالقرب من المنظرة الحجازية رحمه الله تعالى. وتوفي عبد الله التركماني البهسني كاشف الشرقية بالوجه البحري من أعمال القاهرة بطالًا في يوم الأحد ثالث شهر ربيع الآخر وقد كبر سنه وشاخ. وكان في أول قدومه إلى الديار المصرية يخدم شادًا في قرى القاهرة إلى أن اتصل بخدمة الملك الظاهر جقمق قبل سلطنته فلما تسلطن ولاه كشف الشرقية فلما ولي ما كف عن قبيح ولا عف عن حرام إلا فعلهما فساءت سيرته في ولايته وحصل للناس منه شدائد لا سيما أهل بلبيس وفلاحي الشرقية فإنه كان عليهم أشد من إبليس وشكاه غير واحد مرات عديدة إلى الملك الظاهر فلم يسمع فيه كلامًا. وبالجملة فإنه كان من أوخاش الظلمة إلا لعنة الله على الظالمين. وتوفي الشيخ أبو الفتح محمد الكاتب المجود صاحب الخط المنسوب وأحد نواب الحكم الشافعية وإمام الشهابي أحمد ابن الملك الأشرف إينال في يوم الأحد عاشر شهر ربيع الآخر رحمه الله. وتوفي الأمير أسندمر بن عبد الله الجقمقي أحد أمراء العشرات ورأس نوبة بعد عوده من مجاورته بمكة بمرض البطن في يوم الثلاثاء تاسع جمادى الأولى وقد ناهز الستين من العمر. وكان رومي الجنس وكان أصله من مماليك جقمق إلارغون شاوي الدوادار نائب الشام وكان أسندمر هذا يجيد الرمي بالنشاب وفيه إسراف على نفسه سامحه الله تعالى بفضله. وتوفي سيف الدين خشقدم بن عبد الله إلاردبغاوي حاجب حجاب طرابلس في جمادى الأولى. وكان أصله من مماليك أردبغا نائب قلعة صفد ثم خدم عند قاني باي الحمزاوي وصار في أواخر عمره دوادارًا ثم سعى بعد الحمزاوي في حجوبية طرابلس حتى وليها فلم ظل مدته ومات في التاريخ المذكور. و كان من الأوباش الذين لا أعرف لهم حإلا. وتوفي الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله الظاهري أحد أمراء العشرات بالطادون في يوم السبت حادي عشرين جمادى الأولى وأخرج هو وولده معًا في جنازة واحدة. وكان أصله من مماليك الملك الظاهر جقمق اشتراه في سلطنته وتأمر في أيامه عشرة ثم نكب ثم تأمر ثانيًا في دولة الملك الأشرف عشره إلى أن مات. وكان لا بأس به رحمه الله تعالى. وتوفي الأمير سيف الدين يونس بن عبد الله العلائي الناصري الأمير آخور الكبير بالطادون في باكر يوم الاثنين ثالث عشرين جمادى الأولى وقد جاوز السبعين من العمر ودفن بتربته التى أنشأها بالصحراء. وكان أصله من مماليك الظاهر برقوق الكتابية ثم ملكه الملك الناصر فرج وأعتقه ودام من جملة المماليك السلطانية سنين كثيرة لا يلتفت إليه في الدول إلى أن تأمر عشرة في أوائل دولة الملك الظاهر جقمق مراعاة لخاطر الأمير إينال العلائي إلاجرود أعني عن الأشرف هذا صاحب الترجدة لكونه كان خجداشه من تاجر واحد ودام من جملة أمراء العشرات أيامًا كثيرة إلى أن نقله الملك الظاهر إلى نيابة قلعة الجبل بعد عزل تغري برمش الفقيه وإخراجه إلى القدس في سنة تسع وأربعين. قلت: وبئس البديل! وهذا من عدم الآنصاف. كيف يكون هذا المهمل العاري من كل علم وفن موضع ذلك العالم الفاضل الذكي العارف بغالب فنون الفروسمة هع ما حواه من العلوم. وقد أذكرتني هذه الواقعة قول بعض الأدباء المؤالة حيث قال: وتجعل الحرالذكي الوشواش يحكم عليه رديء الأصل يبقى لاش وأستمر يونس هذا في نيابة القلعة إلى أن تسلطن خجداشحه الملك الأشرف إينال صاحب الترجدة وخلع عليه في صبيحة يوم السلطنة بنيابة الإسكندرية فتوجه إليها وأقام بها مدة ئم عزل وقدم إلى القاهرة على إمرته. ثم بعد مدة من قدومه صار أمير مائه ومقدم ألف بالديار المصرية بعد خروج الأمير جانم الأشرفي إلى نيابة حلب وذلك في أواخر صفر سنة تسع وخمسين وتوجه لتقليد الأمير قاني باي الحمزاوي نائب حلب بنيابة دمشق بعد موت الأمير جلبان فقلده وعاد وقد استغنى يونس بما أعطاه قاني باي الحمزاوي في حق طريقه من الذهب اثني عشر ألف دينار ومن القماش والخيول نحو خمسة إلاف دينار ثم نقل بعد ذلك الأمير آخورية الكبرى بعد انتقال الأمير جرباش المحمدي إلى إمرة مجلس بعد تعطل الأمير طوخ من تمراز ولزومه داره من مرض تمادى به وذلك في أوائل ذي الحجة سنة إحدى وستين وثمانمائة. وعظم يونس عند خجداشه الملك الأشرف لكونه كان خجداشه. وأنا أقول: ما كانت محبته له إلا لجنسية كانت بينهما في إلاهمال لأن الجنسية علة الضم. فلم يزل يونس المذكور في وظيفته إلى أن مات في التاريخ المقدم ذكره. قلت: وما عسى أذكر من أمره والسكوت وإلاضراب عن الذكر أجمل وفي التلويح ما يغني عن التصريح. وتوفي الأمير زين الدين هلال بن عبد الله الرومي الطواشي الظاهري الزمام بطالًا بالطادون في يوم الأحد تاسع عشرين جمادى الأولى وقد شاخ وناهز عشر المائة من العمر. وكان من خدام الملك الظاهر برقوق ومن أعيان طواشيته ثم صار شاد الحوش السلطاني مدة طويلة إلى أن بدا له أن يبذل المال في وظيفة الزمامية فوليها بعد موت الأمير جوهر القنقبائي فباشر الوظيفة بقلة حرمة فلم ينتج أمره وعزل وتخومل إلى أن مات وهو مجتهد في الزراعة والدولاب لتحصيل المال فلم ينل من ذلك شيئًا ومات فقيرًا رحمه الله تعالى. وتوفي القاضي زين الدين عبد الرحيم ابن قاضي القضاة بدرالدين محمود ابن القاضي شهاب الدين أحمد العيني الحنفي ناظر إلاحباس في يوم الثلاثاء ثاني عشرين جمادى الآخرة بالطادون وهو في الكهولية. وكان من بيت علم ورئاسة. وتوفيت خوند زينب بنت الأمير جرباش الكريمي المعروف بقاشق في يوم السبت سادس عشرين جمادى الآخرة بالطادون وسنها فوق الثلاثين. وكان الملك الظاهر جقمق تزوجها في أوائل سلطنته في حدود سنة اثنتين وأربعين أو التي بعدها ومات عنها فتزوجها القاضي شرف الدين موسى الآنصاري ناظر الجيوش المنصورة فماتت عنده ودفنت بمدرسة الظاهر برقوق ببين القصرين لكون أمها ابنة قانباي ابن اخت الظاهر برقوق رحمها الله تعالى. وتوفي الأمير قرم خجا بن عبد الله الظاهري أحد أمراء العشرات بطالًا في العشر الأول من شهر رجب وهو في عشر المائة من العمر. كان من مماليك الظاهر برقوق وخاصكيته وكان فقيهًا دينًا خيرًا تركي الجنس رحمه الله تعالى. وتوفي السيفي يشبك بن عبد الله الأشرفي الأشقر أستادار الصحبة وأحد الخاصكية بالطادون في يوم الثلاثاء سابع شهر رجب ومستراح منه لأنه كان مهملًا مسرفًا على نفسه لا يرتجى لدين ولا لدنيا عفا الله عنه. وتوفي الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله الساقي الظاهري بالطادون في يوم الأحد تاسع عشر شهر رجب بعد أن تأمر بأيام. وكان مشهورًا بالشجاعة وإلاقدام. قلعت عينه في واقعة الملك المنصور عثمان مع الأشرف إينال وكان من حزب ابن أستاذه الملك المنصور رحمه الله وعفا عنه. وتوفي الأمير سيف الدين يرشباي بن عبد الله الإينالي المؤيدي الأمير آخور الثاني كان وأحد أمراء الطبلخانات الآن وهو مجاور بمكة المشرفة في شهر رجب وقد ناهز الستين من العمر. وكان من مماليك الملك المؤيد شيخ اشتراه بعد سلطنته وصار خاصكيًا بعد موته إلى أن تأمر عشرة في دولة الملك الظاهر جقمق وصار أمير آخور ثالثًا ثم نقل بعد مدة إلى الأمير آخورية الثانية وإمرة طبلخاناه بعد موت خجداشه سودون المحمدي المعروف بأتمكجي فدام على ذلك إلى أن قبض عليه الملك المنصور عثمان مع دولات باي الدوادار ويلباي الإينالي المؤيديين وحبس يرشباي هذا بسجن الإسكندرية إلى أن أطلقه الملك الأشرف وأرسله مع خجداشه يلباي إلى دمياط ثم استقدمهما بعد أيام يسيرة إلى القاهرة وأنعم على يرشباي المذكور بإمرة عشرة ثم بإمرة طبلخاناه بعد انتقال الأمير بايزيد التمربغاوي إلى تقدمة ألف ثم سافر إلى مكة رأسًا على المماليك السلطانية بها في سنة ثلاث وستين فمات بمكة رحمه الله تعالى. وكان رجلًا طوإلا مليح الشكل والهيئة حشمًا وقورًا مع إسراف على نفسه عفا الله عنه بمنه وكرمه. وتوفي القاضي كمال الدين أبو الفضل محمد بن ظهيرة المكي المخزومي الشافعي قاضي جدة وهو معزول عنها بعد مرض طويل بالمدينة الشريفة. وكان من خيار أقاربه ولديه فضيلة ومشاركة حسنة ومحاضرة جيدة بالشعر وأيام الناس وكان محبوبًا في قومه وأهل بلده رحمه الله تعالى ولقد عز علينا موته. وتوفي الأمير سيف الدين يشبك بن عبد الله المؤيدي أتابك دمشق بها في شعبان وقد جاوز الستين. وكان يعرف بيشبك طاز وكان مشكور السيرة لا بأس به رحمه الله. وتوفي الشيخ الإمام العالم الفقيه زين الدين عبد الرحمن بن عنبر إلابوتيجي الشافعي أحد فقهاء الشافعية في صبيحة يوم الاثنين ثالث عشرين شوال وقد زاد سنه عن التسعين. وكان عالمًا وله اليد الطولى في علمي الفرائض والحساب وتصدر للإقراء بجامع إلازهر مدة طويلة وكان يعجبني حاله إلا أنه ما حج حجة الإسلام عفا الله تعالى عنه. وتوفيت خوند آسية بنت الملك الناصر فرج ابن الملك الظاهر برقوق في أوائل ذي الحجة وهي في عشر الستين وهي عزباء وأمها أم ولد حبشية تسمى ثريا. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ستة أذرع سواء. مبلغ الزيادة تسعة عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا. سلطنة المؤيد أبي الفتح أحمد بن إينال هو السلطان السابع والثلاثون من ملوك الترك وأولادهم بالديار المصرية والثالث عشر من الجراكسة وأولادهم. تسلطن في يوم الأربعاء رابع عشر جمادى الأولى من سنة خمس وستين وثمانمائة الموافق لأول برمهات. فلما كان ضحوة النهار المذكور نزل الزيني خشقدم إلاحمدي الطواشي الساقي الظاهري بطلب القضاة الأربعة إلى القلعة ونزل غيره إلى الخليفة المستنجد بالله يوسف فبادر كل منهم بالطلوع إلى القلعة حتى تكامل طلوع الجميع وجلس الكل بقاعة دهليز الدهيشة من قلعة الجبل وجلس الخليفة والمقام الأتابكي أحمد المذكور في صدر المجلس وجلس كل من القضاة في مراتبهم ودار الكلام بينهم في سلطنة الملك المؤيد هذا لكون أن والده الملك الأشرف إينال ما كان عهد إليه قبل ذلك بالسلطنة. فتكلم القاضي كاتب السر محب الدين ابن الشحنة في أن تكون ولايته في السلطنة نيابة عن والده مدة حياته ثم استقلإلا بعد وفاته أو معناه فلم يحسن ذلك ببال من حضر. وقام الجميع ودخلوا إلى قاعة الدهيشة وبها الملك الأشرف إينال مستلق على خطة ليسمعوا كلامه بالعهد لولده أحمد هذا فكلمه الأمير يونس الدوادار غير مرة في معنى العهد وهو لا يستطيع الرد وطال وقوف الجميع عنده وهو لا يتكلم فخرجوا إلى ولده المؤيد هذا وهو جالس بدهليز الدهيشة عند الشباك وعرفوه الحال ثم رجعوا إلى الملك الأشرف ثانيًا وكرروا عليه السؤال وهو ساكت إلى أن تكلم بعد حين وقال باللغة التركية: " أغلم أغلم " يعني: " ابني ابني " فقال من حضر: " هذا إشارة بالعهد لولده فإنه لا يستطيع من الكلام أكثر من هذا " وخرجوا من وقتهم إلى الدهيشة. وانتدب كاتب السر لتحليف الأمراء فحلف من حضر من الأمراء إلايمان المؤكدة ولم ينهض أحد منهم أن يوري في يمينه ولا يدلس لأنهم أجانب من معرفة ذلك وأيضًا المحلف له فطن وكاتب سره رجل عالم وكان من جملة اليمين: المشي إلى الحاج كذا كذا مرة والطلاق والعتق وغير ذلك. فلما انقضى التحليف وتمت البيعة قام كل أحد من الأمراء والخاصكية والأعيان وبادر إلى لبس الكلفتاة والتتري الأبيض كما هي العادة وأحضرت خلعة السلطنة الخليفتية السوداء ولفت له عمامة سوداء حرير. وقام المقام الشهابي المذكور ولبس الخلعة والعمامة على الفور وركب من باب الدهيشة فرس النوبة بسرج ذهب وكنبوش زركش ومشت الأمراء والأعيان بين يديه من باب الحوش إلى أن اجتاز بباب الدور السلطانية فتلقته الجاووشية والزردكاش ومعه القبة والطير وأبهة السلطنة فتناول الأمير خشقدم الناصري المؤيدي أمير سلاح القبة والطير بإذن السلطان وحملها على رأسه وهو ماش وسار في موكب الملك بعظمة زائدة خارجة عن الحد وصار جميع الأمراء والقضاة مشاة بين يديه إلا الخليفة المستنجد بالله فإنه ركب فرسًا من خيل السلطان ومشى بها خطوات ثم نزل عنها لقوتها عليها. ولازال السلطان على تلك الهيئة حتى نزل على باب القصر السلطاني من قلعة الجبل ودخل وجلس على سرير الملك فلم تر العيون فيما رأت أحسن ولا أجمل منه في الخلعة السوداء لأنه كان أبيض اللون والخلعة سوداء مع حسن سمته وطول قامته حتى إنه لعله لم يكن أحد فى العسكر يوم ذاك يدانيه في طول القامة. ولما جلس على تخت الملك قبلت الأمراء الأرض بين يديه ودقت الكوسات ونودي في الحال بالدعاء للملك المؤيد أبي الفتح أحمد بشوارع القاهرة. ثم في الوقت خلع على الخليفة فوقاني حرير بوجين أبيض وأخضر بطرز زركش وأنعم عليه بفرس بسرج ذهب وكنبوش زركش وأنعم عليه بقرية منبابة بالجيزة. ثم خلع على الأمير خشقدم أمير سلاح أطلسين متمرًا وفوقانيًا بطرز زركش بسرج ذهب وكنبوش زركش. وأقام الملك المؤيد يومه وليلته بالقصر وأصبح حضر الخدمة حسبما يأتي ذكره بعد أن نذكر وقت سلطنته. وكان الطالع وقت مبايعته ولبسه خلعة السلطنة وجلوسه على سرير الملك السرطان وصاحب الطالع بالسنبلة وهو القمر قطع اثنتين وعشرين درجة و خمسين دقيقة والرأس بالسرطان أيضًا ست عشرة درجة وثلاثين دقيقة راجعًا والمشتري بالقوس صفرًا وسبعًا وعشرين دقيقة وزحل بالجدي أيضًا ثمانيًا وعشرين درجة وستًا وأربعين دقيقة والذنب بالجدي أيضًا ست عشرة درجة وثلاثين دقيقة والزهرة في الدلو ثلاث درجات وتسع عشرة دقيقة والليلة بالدلو أيضًا ثماني درج و ثمانيًا وخمسين دقيقة وعطارد أيضًا بالدلو اثنتين وعشرين درجة وخمسين دقيقة والشمس في الحوت خمس عشرة درجة وأربعًا وخمسين دقيقة والساعة السادسة وهي للزهرة انتهى. ولما كان صبيحة نهار الخميس المقدم ذكره وهو ثاني يوم من يوم سلطنته وهو عشر جمادى الأولى وقد عمل السلطان فيه الخدمة السلطانية وخلع على جماعة كثيرة من الأمراء بعدة وظائف فاستقر بالأمير خشقدم أمير سلاح أتابك العساكر عوضًا عن نفسه ولكن لم يجد له في ذلك اليوم خلعة الأتابكية لكونه كان لبسها في أمسه لما حمل القبة والطير على رأس السلطان فجددت له أخرى لم يفرغ عملها في هذا اليوم. ثم أنعم السلطان على الأمير خشقدم المذكور بإقطاع نفسه وهو إقطاع الأتابكية. ثم خلع على الأمير جرباش المحمدي أمير مجلسه باستقراره في إمرة سلاح عوضًا عن الأمير خشقدم بحكم استقراره أتابك العساكر. واستقر الأمير قرقماس الأشرفي رأس نوبة النوب أمير مجلس عوضًا عن جرباش المقدم ذكره. واستقر الأمير قانم من صفرخجا المؤيدي التاجر رأس نوبة النوب عوضًا عن قرقماس المذكور. وأنعم السلطان بإقطاع الأتابك خشقدم على الأمير بيبرس الأشرفي خال الملك العزيز يوسف حاجب الحجاب لكون متحصل هذا إلاقطاع يزيد عن متحصل إلاقطاع الذي كان بيده أولًا وطلب الأمير جانبك من أمير الأشرفي الخازندار إقطاع بيبرس فتوقف السلطان فيه ووقع بسبب توقف السلطان في الآنعام على جانبك به بين جانبك المذكور وبين الأمير يونس الدوادار الكبير كلام فافحش الدوادار في الرد على جانبك ودام إلاقطاع موقوفًا لم ينعم به على أحد وانفض الموكب. وقام السلطان الملك المؤيد أحمد من القصر وتوجه إلى الدهيشة وجلس بالشباك المطل على الحوش وأمر المنادي فنادى بين يديه بالحوش بأن النفقة في المماليك السلطانية تكون لكل واحد مائة دينار وتكون أول التفرقة يوم الثلاثاء عشرين الشهر فضج الناس له بالدعاء. ثم قام ودخل إلى عند أبيه وهو في السياق فمات في اليوم وهو يوم الخميس المقدم ذكره بين الظهر والعصر فجهز من وقته وصلى عليه بباب القلة من قلعة الجبل ثم حمل حتى دفن من يومه بتربته التي أنشأها بالصحراء خارج القاهرة حسبما تقدم ذكر ذلك كله في ترجمته. ثم أصبح الملك المؤيد يوم الجمعة صلى الجمعة بجامع الناصري بالقلعة مع الأمراء على العادة وخلع بعد انقضاء الصلاة على الأمير خشقدم الناصري المؤيدي خلعة الأتابكية على العادة. واستمر السلطان إلى يوم الأحد ثامن عشره أعني جمادى الأولى فأنفق على الأمراء نفقة السلطنة فحمل إلى الأمير الكبير أربعة إلاف دينار تفصيلها: ألف دينار بسبب حملة القبة والطير على رأس السلطان يوم سلطنته والبقية نفقة السلطنة وحمل إلى أمير سلاح جرباش وغيره من أمراء الألوف من أصحاب الوظائف لكل واحد ألفين وخمسمائة دينار وإلى غير أرباب الوظائف من مقدمي الألوف لكل ألفي دينار فقط وحمل لكل أمير من أمراء الطبلخانات خمسمائة دينار ولكل أمير من أمراء العشرات مائتي دينار. ثم في يوم الاثنين تاسع عشر جمادى الأولى خلع السلطان على الأتابك خشقدم وعلى قانم رأس نوبة النوب خلع الآنظار المتعلقة بوظائفهما على العادة. وأنعم السلطان على الأمير يشبك البجاسي الأشرفي إينال أحد مقدمي الألوف بحلب بإمرة مائة وتقدمة ألف بالديار المصرية وهو إقطاع بيبرس الذي وقع بين يونس الدوادار وبين جانبك الظريف الخازندار بسببه وأنعم بتقدمة يشبك المذكور التي بحلب على الأمير تمراز الأشرفي الدوادار كان وأنعم بإقطاع تمراز وهو إمرة طبلخاناه بطرابلس على الأمير لاجين الظاهري ويشبك هذا المنعم عليه بالتقدمة كان أصله من مماليك الأمير تنبك البجاسي نائب الشام و ملكه بعد موت تنبك الأشرف إينال وهو من جملة الأمراء وأعتقه ورقاه حتى صار دواداره ثم أخذ له من الملك الظاهر جقمق إمرة بصفد فلما تسلطن رفع قدره إلى أن صار من جملة أمراء الألوف بحلب واتفق مجيئه إلى مصر لينظر أستاذه فاتفق في مجيئه ضعف أستاذه ثم موته. وفيه أيضًا خلع السلطان على جماعة من الأمراء والخاصكية لتوجههم بحمل تقاليد نواب البلاد الشامية: فكان الأمير مغلباي إلابو بكري المؤيدي المعروف بطاز أحد أمراء العشرات ورأس نوبة يتوجه إلى نائب الشام الأمير جانم الأشرفي. والأمير بيبرس الأشرفي الأشقر أحد أمراء العشرات ورأس نوبة يتوجه إلى الأمير حاج إينال اليشبكي نائب حلب. والسيفي برقوق الناصري الظاهري الساقي يتوجه إلى إياس المحمدي الناصري نائب طرابلس. والسيفي آقبردي الساقي الأشرفي يتوجه لجانبك التاجي المؤيدي نائب حماة. وتنم الفقيه إلابو بكري المؤيدي يتوجه لخيربك النوروزي نائب صفد ولبردبك العبد الرحماني نائب غزة معًا. وخلع على جماعة أخر من الخاصكية بتوجههم إلى جماعة أخر إلى البلاد الشامية والجميع خاصكية ما عدا مغلباي طاز وبيبرس الأشقر. ثم في يوم الثلاثاء العشرين من جمادى الأولى المذكورة ابتدأ السلطان بالنفقة في المماليك السلطانية من غير تسوية فأعلى من أخذ مائة دينار وأدنى من أخذ ثلاثين دينارًا وأعطى لكل مملوك من الكتابية عشرة دنانير فاستمرت النفقة على المماليك السلطانية في كل يوم سبت وثلاثاء إلى ما يأتي ذكره. ثم بعد أيام وصل القاهرة كتاب جانبك الأبلق الظاهري من قبرس أنه هو ومن معه من المماليك السلطانية وغيرهم من الفرنج واقعوا أهل شرينة في عاشر شهر ربيع الآخر وحصروا قلعتها وقتلوا من الفرنج بشرينة ثمانية نفر وأسروا مثلهم. ثم ذكر أيضًا أنه واقع ثانيًا أهل شرينة وقتل صاحب الشرطة بقلعتها وآخر من عظمائها أرمى نفسه إلى البحر فغرق. قلت: " مما خطاياهم أغرقوا فأدخلوا نارًا ". ثم ذكر جانبك أيضًا أنه قبض على خمسة منهم وأن الملكة صاحبة شرينة أخت جاكم صاحب قبرس قد توجهت من شرينة إلى رودس تستنجد بهم. ثم ذكر أيضًا أنه ظفر بعدة مراكب ممن كان قدم من الفرنج نجدة للملكة المذكورة وأنه أسر منهم خلائق تزيد عدتهم على مائة نفر وأنه أخذ بالحصار عدة أبراج من أبراج قلعة باف بعد أن قاسوا منه شدائد وأنه يستحث السلطان في إرسال عسكر بسرعة قبل مجيء نجدة لهم من الفرنج أهل الماغوصة الجنوية وإلى أهل شرينة من غير الجنوية انتهى. وفي يوم الأربعاء ثامن عشرينه استقر عميرة بن جميل بن يوسف شيخ عربان السخاوة بالغربية بعد موت أبيه. قلت: والشيء بالشيء يذكر وقد أذكرني ولاية عميرة هذا حال أرياف الديار المصرية الآن فإنه من يوم تسلطن الملك المؤيد أحمد هذا حصل الأمن في جميع الأعمال برًا وبحرًا شرقًا وغربًا من غير أمر يوجب ذلك ووقع رعب السلطان في قلوب المفسدين حتى صار أحدهم لا يستطيع أن يخرج من داره فكيف يقطع الطريق فانطلقت الألسن بالدعاء للملك المؤيد هذا وتبارك كل أحد بقدومه واستيلائه على الأمر ومالت النفوس إلى محبته ميلًا زائدًا خارجًا عن الحد فإنه أول ما تسلطن قمع مماليك أبيه الأجلاب عن تلك إلافعال التي كانوا يفعلونها أيام أبيه وهددهم بأنواع النكال إن لم يرجعوا فرجع الغالب منهم عن أشياء كثيرة مما تقدم ذكرها وعلم الناس من السلطان ذلك فطمع كل أحد في الأجلاب فانحط قدرهم حتى صار أحدهم لا يستطيع أن يزجر غلامه ولا خدمه فزاد حب الناس للملك المزيد لذلك فكل من أحبه فهو معذور لما قاست الناس منهم أيام أبيه من تلك إلافعال القبيحة. على أن الملك المؤيد أيضًا كان له في أيام والده مساوىء كثيرة من جهة حماياته البلاد والمراكب بساحل النيل وأشياء أخر غير ذلك فقاست الناس من حماياته أهوإلا فلما تسلطن ترك ذلك كله كأنه لم يكن وأقبل على العدل وإرداع المفسدين فبدل في أيامه الجور بالعدل والخوف بالأمن والراحة بعد التعب ولله الحمد. وفيه عزل السلطان الصاحب شمس الدين منصورًا عن الأستادارية وخلع من الغد على مجد الدين أبي الفضل البقري كاملية بمقلب سمور باستقراره في الأستادارية عوضًا عن الشمسي منصور ووعد بأنه يلبس خلعة وظيفة الأستادارية في يوم السبت أول جمادى الآخرة فوقع ذلك. ثم في يوم الخميس سادس جمادى الآخرة خلع السلطان على الصفوي جوهر النوروزي الطواشي الحبشي بإعادته إلى تقدمة المماليك السلطانية بعد موت الطواشي مرجان الحصني الحبشي.
|